الفقر والبطالة وتمكين الشباب في الوطن العربي

الدكتور محمد أبوحمور

لعل مكافحة البطالة، وتمكين الشباب والمرأة، وتأهيل القوى المرشحة لدخول سوق العمل والتنمية البشرية، هي من أكثر المواضيع حضوراً عند بحث الشأن الاقتصادي ومشكلات التنمية المستدامة ومستقبلها في الوطن العربي. وخلال السنوات الماضية، وخاصة على إثر إطلاق منتدى الفكر العربي «الميثاق الاقتصادي العربي» (9/8/2015)، ومن قبل «الميثاق الاجتماعي العربي» (11/12/2012)، ركّزنا بشكل أساسي على هذه المحاور في أنشطتنا، وأعطيناها اهتماماً خاصاً في مؤتمراتنا، ولا سيما المؤتمرات الشبابية: «الريادة والإبداع» (البحرين 21/1/2015)، و»الاقتصاد العربي وتمكين الشباب للمستقبل» (عمّان 1-2/12/2015)، و»التعليم والإبداع والاستثمار: نحو رؤية عربية مشتركة (عمّان 11-12/4/2017)، وغيرها من المؤتمرات والندوات واللقاءات الفكرية.

لكن في كل مرة كان لدينا جوانب جديدة نبحثها في هذا المجال بعيداً عن التكرار، ذلك أن مشكلة البطالة المستمرة في التفاقم هي بحد ذاتها كمتغير ونتيجة لتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية، أحد مظاهر تراجع النمو في المنطقة العربية، ويمكن فهمها وتفسيرها من زوايا متعددة وربطها بنوعية التعليم ومخرجاته، وبالثقافة المجتمعية ونظرتها إلى قيمة العمل، وبعلاقات الإنتاج وأساليب إدارتها داخل المجتمع نفسه، والكيفية التي تُدار فيها الندرة (المال والموارد) والوفرة (الطاقات البشرية)، والوعي بالمستقبل والتخطيط له على أسس واضحة وسليمة علمياً.

ذكرنا مراراً أننا في الوطن العربي مقبلون على ما يسمى «الفرصة السكانية» عام 2030، وأنه في ذلك الحين سترتفع نسبة الشباب في مجتمعاتنا من 50% كما هي حالياً إلى 70%، بمعنى أنها ستصبح مجتمعات فتيّة أمامها فرصة ثمينة للتجدد والتطور إذا أحسنت الاستفادة من هذه الفرصة منذ الآن، ومن خلال تأهيل الشباب وإعداد المناهج الملائمة لتدريب القوى العاملة على دخول سوق العمل، والمساهمة في رفع معدلات الإنتاج والنمو، لتستطيع المجتمعات والدول العربية أن توازن ما بين مواردها الطبيعية والبشرية، وبالتالي تحقق استقلال قرارها الاقتصادي والتكامل فيما بينها، ولا تظل مجتمعات تابعة لاقتصادات من خارج الوطن العربي وأجندات دولية وإقليمية لا يعنيها سوى مصالح الجهات التي تحركها.

وعلينا أن نلاحظ أن البطالة عربياً، التي تبلغ 17,9% أي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي للبطالة، ليست مقتصرة على الدول الفقيرة أو متوسطة الدخل التي تصدر القوى العاملة، وإنما هي أيضاً مشكلة في الدول التي تعتبر غنية أو الدول المنتجة للنفط، ولا سيما بعد الانخفاضات والتذبذبات التي شهدتها أسعار النفط خلال العقدين الأخيرين، فضلاً عن تراجع الإنتاجية، وارتفاع العجز ومعدلات المديونية، واختلال سلم الأجور، وتردي مستويات المعيشة.

والمؤشرات تتسارع في التحذير من خطر الارتفاع المستمر لمعدلات البطالة، فهناك حاجة إلى إيجاد حوالي 5,5 مليون فرصة عمل، وهناك 50% من الوظائف الموجودة حالياً لن تكون موجودة في المستقبل، في الوقت الذي تنحسر فيه الاستثمارات البينية العربية وهي أصلاً لا تشكل أكثر من 20% من الاستثمارات العربية في العالم.

كل ذلك يفرض تحديات تحتاج إلى خطط طوارىء وعمل عربي مشترك في إجراء معالجات وقائية جادة وسريعة، لأن ذلك أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي للدول والشعوب، إن لم يكن تهديداً لكيان الوطن العربي، خاصة مع حساب ارتفاعات مستويات البطالة، وخسائر الدخل القومي العربي التي وصلت إلى 1700 مليار دولار، نتيجة أحداث الربيع العربي والنزاعات والحروب في المنطقة، وارتفاع أعداد اللاجئين والمهجرين في الوطن العربي.

لا شك أنه مع هذه الأسباب، ينبغي علينا ألا ننسى أن جمود التطور الاقتصادي وبطء معدلات النمو يرتبطان بقضية مخرجات التعليم وسوء الربط بينها وبين متطلبات سوق العمل وثقافة الإنتاج، وبوعي ضرورة مأسسة عمليات التأهيل والتدريب والتطوير والاستثمار التكنولوجي.

في الأردن انعكست عدة عوامل تتعلق بالتعليم والتدريب والتأهيل ومدى تحقيق السياسات الاقتصادية أهدافها، إضافة إلى انعكاسات الأوضاع الإقليمية والمتغيرات الاقتصادية الدولية، على زيادة معدلات البطالة وارتفاعها المتسارع لتصل إلى حوالي 18,5%، وتزامن ذلك مع بطء شديد في النمو الاقتصادي يتوقع له أن يبلغ هذا العام أيضاً 2% كما العامين الأخيرين، وهو أقل من النمو السكاني الذي ازدادمع تدفق اللاجئين بسبب الأزمة السورية. فضلاً عن احتدام المنافسة بين العمالة المحلية والعمالة الوافدة والعمالة الناجم وجودها عن اللجوء السوري، فيما هنالك حاجة إلى نمو بمعدل أعلى مما ذُكِر يصل إلى 6% أو 7% لإيجاد التوازن مع النمو السكاني، ومواجهة تحدي البطالة وتوفير أعداد مناسبة من فرص العمل، وتأهيل وتدريب الأعداد المتزايدة من الخريجين، والتركيز على التعليم المهني، وتطوير الصناعة والزراعة، والاستفادة من التكنولوجيا، وجذب الاستثمارات وتشجيعها، وإيجاد الشراكات الملائمة بين القطاعين العام والخاص.

(صحيفة الرأي)

28-أيار-2018 00:00 ص

نبذة عن الكاتب